الخميس، 25 ديسمبر 2014

مذكرات فتى الاقدار



يرون بي الشوك من كل جنب ***ولكن أرى الورد و الموردا 
سأمضي ولو كنت وحيدا ولو أنني وحيدا لأني اتبعت نبي الهدى.. .. 
-------------------
أتذكر أن هذا الفتى عندما عين مدرسا في بلدة بعيدة عن مدينته التي لم يخرج منها قط والتي لم يعرف غيرها ، كيف كانت هذه الكلمات في هذا النشيد محفزا لغربة مؤقتة وهو الفتى المدلل عند جده الذي لم يكن ينام حتى يطمئن أن حفيده ينام قرير العين في فراشه ، والذي لو كان قيد الحياة يومها ما كان ليسمح أن تفارق عيناه وجه حفيده ، لكنه كان موعدا مع القدر أفصحت عنه كلمات النشيد دون قصد و حتى دون وعي من الفتى ، كان لابد أن يمضي في طريقه عن مضض لقدر قاهر يفضي لقدر خير ينتظره يظنه شرا من حيث هو الخير ، ، يتذكر ذلك الفتى تلك اللحظات كلما سمعت أذنه هذا النشيد بلحنه فتتفاعل الذاكرة لتعيد كتابة سيناريو أحداث" فتى الأقدار غريب الأطوار" في عيون المحبين والمبغضين وحتى الجاهلين ، ، يتذكر كما أتذكر معه كيف استقل القطار من محطته بالليل وانطلق في عتمته نحو تلك البلدة التي استمرت رحلتها سبعة وعشرين ساعة ليكون في منطقة غريبة طباعها عن طباعه ولسانها عن لسانه موافقة روحها الخفية لآفاقه تحمل له بشرى خير من حيث حسبها شر ، يتذكر الفتى وأتذكر معه كيف كان يفاجأ بنمط البناء ووجوه الناس واختلاف عاداتهم ، كان يقول في نفسه هل قدري أن يكون بين هذه الجبال الحمراء بحجارتها الصلداء حيث الخضراء عزيزة المطلب ؟!
أهذه هي تارودانت بمسجدها الأعظم و مسجد "فرق الأحباب " و" جنان عزيزو " ، و نيابة التعليم في طريق الشرق صوب "أولاد برحيل "و مداشر أمازيغية حيث أركان الشجرة المشهورة ، " وأولوز " الشهيرة ، اللسان الأمازيغي الذي يتحدثون به كان سهلا على الفتى أن يفهم معناه وكأن روحانية المنطقة تعلم روحه من حيث يجهلها عقله،
وإذا أردت معرفة لسان قوم فأحسن التعلم مشافهة المكان ، إذ للمكان لسان حال يبطئ لو بعد المكان ، 
فكل أمر في أرضه سهل المنال وكل سهل في بعد دياره صعب المرام . 
ومن محاسن قدره أن صادف مدرسا من بلده له دربة سنتين في منطقته ، تعرف عليه في مراكش الحمراء واصطحبه معه ، ، كان بحق مبدد غربة ومعين سفر وترجمان صدق ، لا يزال يذكر محياه جيدا ، كان قاسي القسمات محنكا صعب المراس لكنه كان ذا طيبة يخفيها مخافة الذئاب ، كان يجل الفتى كثيرا ويحترمه لدرجة القداسة ، لصمته وحسن سلوكه وسابق صيته في مدرسة تكوينه ، اصطحبه لمركزية تعليمية بين جبال وعرة تخفي بين حناياها أناسا طيبين بالفطرة سذجا أذكياء شغوفين بكل ما هو شريف وصالح ، فيهم استقامة تاريخ عبق من "سوس العالمة "، إنها عاصمة "القائد الإدريسي ولد بيهي " حيث مرقد الشيخ المحفوظ الإدريسي قدس الله سره ، أحد أساطين مدرسة تنالت العتيقة المتخرج على يد شيخ الناصرية في منطقة سوس الشيخ المجاهد العارف بالله تعالى الشريف الحاج سيدي محمد البشواري شهرة الوزاني الإدريسي نسبا الناصري طريقة تلميذ الشيخ المجاهد سيدي أحمد الهيبة وأبيه الشيخ المجاهد علامة عصره وروحاني وقته سيدي مصطفى ماء العينين قدس الله سرهم ورضي عنهم .
كل هذه " الرثائم الجميلة في ذكريات الحاج الحبيب الجليلة "تتملى له كلما طرقت سمعه "نعم إن أول غيث الندى سأروي به قاحلات المدى ،وأجعل منه سيول الشتاء ليغرق فيها حصون العدا ، وأمضي إلى كل بقعة أرض وأغرس فيها لكي أحصدا ، أسير وكلي ضياء ونور لأني اتبعت نبي الهدى . 
الفتى أصبح شيخا ولو أنه مازال شابا ، وسوس العالمة ، سوس الشرف تأبى إلا أن تزور ذكراه كي لا ينسى أن له أحباء بها فرحوا لمقدمه ومستبشرون بطلعته دائما ولو كره الكارهون .
---------
مقتطف من كتاب " مذكرات فتى الأقدار " سيرة ذاتية ، الجزء الأول ص 77 ، طبعة دار أبي الحسن الشاذلي ، قونية ، 2011 
---------
تحياتي الخالصة